"فاينانشيال تايمز": أزمة الطاقة تدفع مشاريع الصلب الأخضر في أوروبا للتأجيل أو الإلغاء
"فاينانشيال تايمز": أزمة الطاقة تدفع مشاريع الصلب الأخضر في أوروبا للتأجيل أو الإلغاء
تعثرت طموحات أوروبا في التحول إلى الصلب الأخضر مع ارتفاع تكاليف الطاقة، ما دفع قادة صناعة الصلب إلى التحذير من تهديد مباشر لأهداف المناخ في حال غياب دعم حكومي إضافي وحماية فعّالة من الواردات الأرخص والأكثر تلويثًا.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فاينانشيال تايمز"، اليوم الخميس، رفضت شركة أرسيلور ميتال، أكبر شركات إنتاج الصلب في العالم، أكثر من مليار يورو من الإعانات العامة لتحويل مصانعها الألمانية للعمل باستخدام الهيدروجين الأخضر.
بررت الشركة قرارها بارتفاع تكاليف الطاقة في أوروبا، فيما اعترفت شركة "أس أس أيه بي" السويدية بتأجيل خططها لتطوير مصنعها الرئيسي منخفض الانبعاثات داخل الدائرة القطبية الشمالية، مشيرة إلى مشكلات في شبكة الكهرباء.
تحديات أمام الصناعة
واجهت مشاريع "الصلب الأخضر" عقبات متعددة، أبرزها ارتفاع تكلفة الطاقة، وغياب البنية التحتية الكافية للهيدروجين، والحاجة إلى مليارات من رؤوس الأموال الأولية، إضافة إلى ضعف الطلب على منتجات منخفضة الكربون التي تُكلف أكثر من نظيراتها التقليدية.
أوضح رئيس اتحاد يوروفر لصناعة الصلب، أكسل إيغرت، أن "الصلب الأخضر لا يُعد خيارًا اقتصاديًا حاليًا في أوروبا"، وأشار إلى أن بعض الفاعلين يراهنون على مستقبل مشرق للمنتج، بينما يرى آخرون أن الواقع الاقتصادي لا يسمح بذلك.
من جانبها، أكدت كبيرة مسؤولي التحول في شركة تيسنكروب، ماري جاروني، خلال فعالية لصحيفة "فاينانشال تايمز"، التزام الشركة بخططها البيئية رغم التحديات المتصاعدة، ووصفت الوضع الحالي في القطاع بأنه "أزمة تجعل اتخاذ قرارات استثمارية كبرى أكثر تعقيدًا".
لعب قطاع الصلب دورًا حيويًا في الاقتصاد الأوروبي، إذ يُنتج نحو 7% من الإنتاج العالمي، بإيرادات سنوية تبلغ 191 مليار يورو، ويُشغل أكثر من 300 ألف عامل مباشرة، لكنه أيضًا مسؤول عن نحو 5% من إجمالي انبعاثات الاتحاد الأوروبي، بإجمالي 200 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهو ما يفوق الانبعاثات السنوية لدولة مثل هولندا.
فرض نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، الذي أُطلق قبل 20 عامًا، على شركات الصلب شراء تصاريح لانبعاثاتها، مما يفترض أن يحفز على خفض التلوث، لكن المسؤولين التنفيذيين أكدوا أن الواردات منخفضة الكلفة وعالية الانبعاثات من الصين قوّضت تأثير النظام.
وكشفت بيانات المفوضية الأوروبية أن فائض إنتاج الصلب العالمي عام 2023، الناجم عن زيادة الإنتاج الصيني وضعف الطلب، بلغ أربعة أضعاف حجم إنتاج الاتحاد الأوروبي، ما شكل ضغطًا إضافيًا على الصناعة الأوروبية.
دعوات لحماية الصناعة
وجهت أكبر عشر شركات صلب أوروبية رسالة إلى المفوضية الأوروبية هذا الأسبوع طالبت فيها بمزيد من الحماية والدعم الفوري، محذرة من أن "عشرات مشاريع إزالة الكربون" باتت مهددة بالتوقف، وأن الأهداف المناخية على المحك.
وقد تطلب التحول نحو صلب منخفض الكربون استخدام الهيدروجين بدلًا من الفحم أو كهربة العملية بالكامل، ورغم أن 40% من إنتاج الصلب الأوروبي يتم في أفران كهربائية، إلا أن أقل من 1% منها يعمل باستخدام الهيدروجين الأخضر، وغالبًا في مراحل تجريبية.
وتُعد تكاليف الطاقة من أبرز التحديات، حيث شكّلت نحو 17% من تكلفة إنتاج الصلب، وأشارت تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن أسعار الكهرباء في الاتحاد الأوروبي تبلغ ضعف نظيرتها في الولايات المتحدة، ما يُقلص من قدرة الشركات على المنافسة عالميًا.
وأظهر تقرير لمنظمة "الشراكة الممكنة" غير الربحية أن الاتحاد الأوروبي يستحوذ على 10% فقط من إجمالي مشاريع الصناعة النظيفة المعلنة عالميًا، والتي تبلغ قيمتها 1.6 تريليون دولار، مثل مصانع الصلب الأخضر والأمونيا.
وحذّر رئيس لجنة تحولات الطاقة، اللورد أدير تيرنر، من أن أوروبا قد تخسر قدرتها على إنتاج أنواع أساسية من الصلب لصالح دول مثل المغرب، التي تتمتع بموارد طاقة شمسية وفيرة وانخفاض في التكاليف.
تحديات أمام مشاريع واعدة
استقطبت السويد مشروعين رائدين في الصلب الأخضر بفضل وفرة الطاقة الكهرومائية، لكن كليهما يواجه تأخيرات، شملت المشاريع شركة "ستيغرا" المدعومة من مستثمرين كبار مثل عائلة أجنيلي وميرسك ومرسيدس بنز، التي تأخرت عن موعدها المحدد بعامين. كما واجه مشروع هيبري، المدعوم من"أل كيه أيه بي" و "أس أس ايه بي" و"فافتينفال" تحديات مماثلة.
ودعا الرئيس التنفيذي لشركة "ستيغرا"، هنريك هنريكسون، إلى تغيير الخطاب العام لصالح إبراز أهمية الاستقرار الجيوسياسي الذي يوفره الصلب المحلي منخفض الكربون، مشيرًا إلى أنه يخفف من الاعتماد على موارد خارج المنطقة.
وخططت المفوضية الأوروبية للإعلان عن دعم تصديري جديد لصالح صناع الصلب في الأسابيع المقبلة، قد يشمل تغييرات في ضريبة حدود الكربون، كما أصدرت يوم الأربعاء توجيهات تسمح بتقديم مساعدات حكومية إضافية لتحفيز الاستثمارات في خفض الانبعاثات.
وأكدت شركة أرسيلور ميتال ومصنّعون آخرون أن ضريبة الكربون لا توفر حماية كافية من المنافسة القادمة من دول كثيفة التلوث مثل الصين، وقال رئيس شركة "أر دبليو إي"، ماركوس كريبر، إن إزالة الكربون لم تعد أولوية قصوى مقارنة بتحمل التكاليف، موضحًا أن "السرعة تحدد الكلفة".
السياسات المستقبلية
دعا مدير السياسات الصناعية والتجارية في معهد روزفلت، تود تاكر، إلى تبني استراتيجية شاملة تشمل السياسات الصناعية والاقتصادية والمناخية لتحفيز العرض والطلب في قطاع الصلب، وأيد رئيس اتحاد يوروفر، أكسل إيغرت، هذا التوجه، مؤكدًا أن التحول لا يزال ممكنًا بشرط اتخاذ قرارات سياسية "سريعة وفعالة".
ورغم التحديات الجسيمة، أبدى مصنعو الصلب تفاؤلهم المشروط بقدرة أوروبا على التحول إلى إنتاج صلب مستدام، ورأى إيغرت أن الوصول إلى الصلب الأخضر في أوروبا لا يزال خيارًا مطروحًا، لكن بشرط دعم سياسي فاعل وإجراءات تنفيذية حاسمة.